الجمعة، 12 أكتوبر 2018



درس في الحق و الواجب و العدل



المادة : فلسفة
النشاط : درس نظري
                                                  الحق و الواجب و العدل
أ/ـ الوضعية المشكلة:
ـ تأمل الحوار التالي الذي دار بين أب و إبنه
الأب: يا بني اخفض من صوت المذياع لأنك بهذا تؤذي جارنا
الابن: لكن يا أبي أليس من حقي سماع صوت المذياع كما أشاء؟
الأب:ولكن أين حق الجار هنا؟ فمن واجبك احترام.
الابن: أفهم من قولك أنه ينبغي أداء الواجب ثم المطالبة بالحقوق
الأب:نعم
الابن: لكن لماذا أنتظر حتى تؤدى حقوقي؟ منه أقوم بواجبي.
ـ  تدل الوضعية على وجود حوار بين الأب و ابنه حول موضوع الحقوق و الواجبات .
كان رأي الأب أن الواجب أسبق من الحق ، أما رأي الابن فهو أن الحقوق أسبق من الواجبات .
إذن من أجل إبداء الرأي ينبغي طرح الأسئلة التالية :
1/ـ ما مفهوم الحق و الواجب و العدل ؟
2/ـ ما هي أنواع الحقوق و الواجبات ؟ ومن هو الأسبق الحق أم الواجب؟
*وهل تحقيق العدالة يكمن في المساوات أم في التفاوت؟
أ/ـ عناصر الدرس: 1/ـ مفهوم العدل و صلته بالحق و الواجبات
أ/ـ مفهوم العدل :يعرف العدل بأنه إعطاء لكل حق حقه .
لهذا فالعدل قيمة أخلاقية يقوم على تحديد المبادئ و القواعد العامة للإعتدال و التوازن و الاستقامة على مستوى الأفراد و الجماعة .
و العدالة في جوهرها و صورتها النهائية حق وواجب لأن امتلاك الحقوق و أداء الةاجبات يمثل جوهر العدالة و صورتها العملية التطبيقية .
ب/ـ الحق :
ـ 1/ـ لغة : و هو الأمر الثابت الذي لا يمكن إنكاره.
2/ـ إصطلاحا : و هو مجموع ما يخوله القانون للفرد من مكاسب مادية و معنوية و يمكنه الدفاع عنها و المطالبة بها .
/ـ أنواع الحقوق:
أ/ـ الحقوق الطبيعية : و هي الحقوق اللازمة للإنسان من حيث هو الإنسان ، وهي حقوق تتميز بالثبات و العمومية كالحق في الحياة و التفكير و العدل....إلخ.
وهذه الحقوق الطبيعية هي أصل كل الحقوق لأنها حقوق ذاتية تعمل على حمايتها كل القوانين الشرعية و الموضوعية بدون إستثناء .
ب/ـ الحقوق المدنية: و هي الحقوق التي تظهر في المدينة ، وما تتميز به من تداخل العلاقات و تشابك المصالح و الوظائف الاجتماعية و هذا يقتتضي وضع قوانين تنظم شؤون الجماعة وتسير أمورها مثل : (حق التعلم ، الحق في العمل ، الحق في الملكية ...................الخ). وهذه الحقوق المدنية تعتبر حقوق مرنة و غير ثابتة تساير الأوضاع و الظروف الاجتماعية و المتغيرة و تتكيف معها و هي امتداد للحقوق الطبيعية .
*العلاقة التداخلية بين الحقوق الطبيعية والحقوق المدنية هي أن الأولى أصل و الثانية فرع ، بمعنى أن الحقوق المدنية امتداد  و مستخلصة من الحقوق الطبيعية .
*بين حقوق الفرد و المجتمع : يرى أصحاب النزعة الفردية أن الحقوق الفردية أسبق من الجماعية لأن وجود الفرد أسبق من وجود الجماعة ومن هنا كان أساس الحقوق غايتها هو الفرد ، وما الجماعة إلا مجرد تنظيم للعلاقات يسمح بممارسة الحقوق و توجيهها دون طغيان أو تعدي.
*حقوق الجماعة: يرى أصحاب النزعة الاجتماعية أن الحقوق ليست من عمل الأفراد بل الجماعات لأن الحقوق مرتبطة بالمجتمع و التنظيم الاجتماعي ، لهذا نجد لكل مجتمع حقوقه و قوانينه التي تنظم علاقاته بين أفراده ، كما أن الحقوق مرتبطة بالقانون و القانون من وضع الجماعة لتراعي به مصالحها .
النتيجة: المشكلة بين النزعتين الفردية و الاجتماعية تقبل الموقفين معا ، لان الحقوق مصدرها فردي و ممارستها أمر اجتماعي فمثلا حق الملكية حق فردي لكن يكفله المجتمع.
مفهوم الواجب:
لغة : اللازم و الضروري .
اصطلاحا: وهو إلزام محدد يتعلق بموقف إنساني أو ظروف اجتماعية معينة كواجب الموظف على أداء عمله .
*أنواع الواجبات:
أ/ـ الواجب الأخلاقي: و هو مجموعة الإلزامات الوجدانية النابعة من ضمائرنا وهي مبنية على فكرة الخير و الشر كمعاني أخلاقية تحدد ما يجب فعله أو اجتنابه مثل الإحسان و هو بذل النفس و العفة .
ب/ـ الواجب القانوني: و يتمثل في مجموع الواجبات و الإلزامات المفروضة علينا و الملزمة لنا بتشريع صحيح تضعه السلطة الاجتماعية  أو السلطة الإلهية لتحقيق المصلحة العامة فإذن فهي واجبات تخضع لضوابط و قواعد قانونية تحدد الواجبات ومن تقع عليه .
*بين أولوية الحق و الواجب:
أ/ـ الحق أسبق من الواجب: إن تطبيق العدالة وممارستها والتعبير عنها والشعوربها من طرف الأفراد في الواقع لا يكون إلا من خلال تقديم الحقوق و المكاسب لكل فرد على الواجبات التي يلتزمون بها لأن الحقوق مرتبطة بالوجود الإنساني و هي ملازمة للطبيعة البشرية كالحق في الحياة و التفكير ..........الخ  وهي حقوق لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها .
لهذا يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أو أنصار النزعة الإنسانية و فلاسفة التنوير أمثال :"جون جاك روسو" و "جون لوك" أن العدالة الاجتماعية تقتضي تقديم الحق (الطبيعي) و أن سلطة الدولة مقيدة بضمان حقوق الأفراد كما أن الثورتين الفرنسية و الأمريكية قامتا على مبادئ حقوقية وهو ما أثمر ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تقول مادته الأولى :(يولد جميع الناس أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق ، وقد وهبوا العقل و الضمير، و عليهو أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء)
النقد: *لكن تأسيس العدالة بإقرار الحقوق أولا يفتح الباب أمام ظهور نزوات الأنانية و إرضاء الميول الغريزية و إلى إخلال التوازن العام للحياة .
ب/ـ الواجب أسبق من الحق : فالواجب هو معيار العدالة لأن الواجب مطلب عقلي يقتضيه العقل و ضرورة عقلية تتجاوز منطق المصلحة و المنفعة و الذاتية إلى مستوى الالتزام بالقانون و ما يفرضه من تضحية للحقوق فمثاله الجندي الذي يقدم حياته فداءا للوطن بدافع الواجب دون النظر إلى فقدانه لأهم حقوقه ألا وهو الحق في الحياة و إتقان العمل واجب دون النظر إلى الأجر و الثناء من أحد كما أكد على ذلك الفيلسوف : "إيمانويل كانط" كما رأى :"أوغست كونت" أنه يمكن الاستغناء عن فكرة الحقوق و الاكتفاء بالواجبات لأنها متضمنة فيها ،فحقوق شخص ما هي ليست واجبات شخص آخر ،ولو قام الجميع بواجباته نحو غيره لتحققت حقوق الجميع .
النقد: غير أن هذا المبدأ الذي يؤسس العدالة على مبدأ الواجبات فقط يجعل من العدالة عرجاء و يسيئ إلى الحياة الاجتماعية لأنه يصير ذريعة للظلم و الإستغلال باسم الواجبات .
النتيجة: العدالة المثلى تتأسس على إقرار التعادل و التوازن بين الحقوق و الواجبات .
*هل تأسس العدالة على المساواة أم التفاوت؟
أ/ـالعدالة في المساواة: يرى أنصار المساواة أن العدالة تتأسس على مبدأ المساواة فبدونها يشيع الظلم و التمييز و الاستغلال و عدم التوازن ، و هذا ما دافع عنه فلاسفة التنوير و أصحاب الفلسفة الماركسية الاشتراكية ، لهذا يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي أن قرار مبدأ المساواة إنما تقتضيه الطبيعة المشتركة لكل فرد مع غيره و قد قال قديما الخطيب اليوناني: "شيشرون" ( الناس سواء بسواء ، وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان ، لنا جميع عقل و لنا حواس و إن اختلفنا في العلم ) ويقول:   "أميل شارتي" ( العدالة هي معاملة الناس بالمساواة) و في هذا الإطار يقول: "آلان" ( لقد ابتكر الحق ضد اللاّمساواة ، والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية.......أما أولئك الذين يقولون إن اللاّمساواة هي من طبيعة الأشياء فهم يقولون قولا بئيسا ) و يقول أيضا المفكر الأمريكي: "توماس جيفرسون" ( إن جميع الناس قد خلقوا متساوين) لهذا يؤكد أنصار المساواة أن الحديث عن التفاوت كمبدأ للعدالة لهو تكريس للظلم و الطبقية التي سادت عصور الظلام .
النقد: غير أن أنصار المساواة أهملوا دور الفروق الفردية و هذا يتعارض مع الطبيعة البشرية ، لأن الأفراد يتفاوتون في القدرات و المواهب مما يقتضي إقرار التفاوت بينهم .
ب/ـ العدالة في التفاوت: يرى أنصار التفاوت أن العدالة تقوم على مبدأ التفاوت لأنه قانون تقتضيه الطبيعة البشرية .
الأفراد غير متساوين من حيث القدرات و المواهب و الاستعدادات لهذا حاول الكثير من المفكرين و الفلاسفة تبرير هذا المبأ و الدفاع عنه فمثلا : "أفلاطون" أسس العدالة الاجتماعية على أساس التمايز الطبقي الموضوعي و لكي تبرز العدالة وجب على كل فرد أن يلتزم بطبقته التي ينتمي إليها ، كما يؤكد : "أرسطو" أن العدل الحقيقي يكمن في وضع كل فرد في مكانه اللائق به و هذا يقتضي إقرار التفاوت و الاعتراف به ، كما نجد في الفلسفة الحديثة الفيلسوف الألماني : "نيتشه" الذي يؤكد على أن التفاوت حقيقة واقعة وجب الاعتراف بها و العمل على أساسها ، كما سعى في تقسيم المجتمع إلى طبقتين : طبقة السادة ، و طبقة العبيد و اعتبر : "ماكس شيلر" التفاوت مقياس العدالة و أساسها حيث يقول: ( إن المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة ) لأن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية و حقد و غيرة و رغبة دفينة في خفض نسبة الأفراد المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم .
النقد: غير أنه لا يمكن اعتبار كل تفاوت عدل لأنه قد يكون هذا المبدأ مطية و ذريعة لتكريس الظلم و الاستغلال و الطبقية بدون وجه حق بدعوى إقرار التفاوت .
النتيجة : 3/ـ النظرية الإسلامية : *فالعدل ليس مساواة مطلقة بين جميع الناس ، لأن هناك فروق فردية لا بد من احترامها ، وليس تفاوتا مطلقا  حتى لا يكون مطية للإستغلال و عدم احترام كرامة الإنسان لذلك كان لا بد من التأسيس لعدالة تجاوز بين المساواة و التفاوت .
و قد عبّر عن ذلك المفكر المصري : زكي نجيب محمود" من خلال وصفه للقواعد التي من شأنها أن تكفل العدالة للجميع :
أ/ـ مجال الحقوق : بحيث يعطى لكل ذي حق حقه .
ب/ـ مجال القدرات : و تراعى فيها الجدارة و الكفاءة و الجهد و لكل بحسب استحقاقه و قدرته .
ج/ـمجال الحاجات الاجتماعية :  و تراعى فيه المطالب الضرورية للأفراد و ما يحتاجون إليه .
فيكون بذلك التوزيع انطلاقا من الاستحقاق و الاحتياج.
الخاتمة : العدل فضيلة أخلاقية مثالية ، ولا يظهر هذا العدل ممارسة و لا تطبيقا إلا من خلال مراعاة التوازن و التعادل بين الحقوق و الواجبات و بين المساواة و التفاوت .

إنتهى:             بالتوفيق للجميع 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صمم بكل من طرف: Salem-B