الجمعة، 12 أكتوبر 2018

درس في الأخلاق بين النسبي و المطلق



المادة : فلسفة
الموضوع : درس نظري
المشكلة : الأخلاق بين النسبي و المطلق
أ الوضعية المشكلة : تأمل الحوار التالي الذي دار بين أستاذ الفلسفة وطالبه.
الطالب : لماذا ندرس الأخلاق و نحن نعرف أن الصدق هو الصدق و الكذب هو الكذب و العدل هو العدل ؟
الأستاذ : ألا ترى نمط العيش تغير ، ووسائل الإتصال تغيرت وكل شيء في الحياة تغير فكذلك الأخلاق و الطباع تتغير لا محالة .
الطالب : أفهم من قولك أن الأخلاق متغيرة و نسبية ، و ليست مطلقة وثابتة !
 الأستاذ : ولكن الموضوع يحتاج إلى الكثير من البحث و الدراسة .
التعليمة : ما رأيك ؟
أ/ـ تحليل الوضعية : تدل الوضعية التي بين الطالب و أستاذه حول مشكلة الأخلاق ، وكان رأي الطالب أنها ثابتة و مطلقة ، وكان رأي الأستاذ أنها متغيرة ونسبية ، إذن من أجل إبراز الرأي من هذه الوضعية يجب طرح الأسئلة التالية :
ـ ما مفهوم الأخلاق ؟
ـ ما طبيعة الأخلاق يا ترى متغيرة أم نسبية ؟
ـ ما هو مصدر الأخلاق ؟
ب/ـ عناصر الدرس :
1/ـ مفهوم القيمة :
لغة : القيمة ، قيمة الشيء أي قدره وثمنه .
إصطلاحا : هي الصفة التي تجعل من الشيء مرغوبا فيه .
2/ـ مفهوم الأخلاق :
لغة : هو السجية و المروءة و العادة والدين .
إصطلاحا : هي مجموعة من القواعد و المبادئ التي تحدد ما يجب أن يكون عليه السلوك ، و على أساسها يكون مقبولا أو مرفوضا .
/ـ أسس الأخلاق المطلقة :
أ/ـ النظرية الدينية : يمكن القول في البداية أن الأخلاق جزء جوهري في الدين ، و الصلة بينهما وثيقة جدا ، ذلك لأننا نتعلم القيم الأخلاقية ونمارسها منذ طفولتنا من خلال الدين نفسه ، و الإسلام كدين ليس بغريب عن هذا المبدأ بل يمثل جوهره وحقيقته لهذا لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب بعثته للناس كرسول فأجاب : {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } فلا توجد قيم دينية لا تعبر عن قيم أخلاقية ، لهذا يقول المفكر :"عمار طالبي" (إن الدين كتشريع سماوي مقدس يدعو إلى الحق في الاعتقاد ، ويوجه إلى الخير في السلوك و المعاملات و يشكل بعدا أخلاقيا يحدد المبادئ و المعاملات الأخلاقية ، ويوضح كيفية تقويم أفعالنا الخلقية وفق قيم العمل بالخير و الفضيلة و الانتهاء عن الشر و الرذيلة ، فمعيار الأخلاق إذا : هو أننا عندما نفعل فعلا ينبغي أن يكون مطابقا لما أراده الله أمرا و نهيا ).
لكن السؤال المطروح هنا : هل الأفعال الأخلاقية خير لأن الله أمر بها ، أو أن الله أمر بها لأنها خير في ذاتها ؟
ب/ـ المعتزلة : ترى المعتزلة و هي فرقة كلامية إسلامية أسسها : "واصل ابن عطاء" أن الخير و الشر ذاتيان في الأفعال و الإنسان يدركها بعقله ، أما الشرع فهو مخير ومؤيد لحكم الفعل و مثبت لها ، فكل ما يأمر به العقل فهو خير ، وكل ما ينهى عنه فهو شر ، و العقل كاشف لما هو في طبيعة الأفعال بما هو حسن و قبيح و الشرع يأتي بعد ذلك مقررا و مؤيدا لما يصل إليه العقل من أحكام ، والدليل الذي صاغه أصحاب الإعتزال أن الناس قبل وجود الأديان كانوا يتحاكمون إلى العقل و يهزم الفريق خصمه بما يدل عليه العقل و كذلك لو لم يكن في الإفعال حسن أو قبيح لعجزت الرسل عن الدعوة لأنهم يطالبون الناس إلى النظم للأشياء في عقولهم و النصوص القرآنية شاهدة على ذلك ، بما أن المعتزلة يذهبون لأكثر من ذلك حيث يقررون أن الإنسان مسؤول عن أفعاله حتى ولم تبلغه دعوة الرسل ، و إنما يكون تكليه عن طريق العقل الذي يهديه إلى مكارم الأخلاق .
النقد :
العقل ليس ملكة مطلقة فقد يصيب و يخطئ و هو قاصر وعاجز عن إدراك بعض الأمور ، كما أن أصحاب هذه النظرية استبعدوا دور الطبيعة البشرية و المجتمع في تأسيس القيمة الخلقية و قللوا من شأن الشرع .
ج/ـ الأشاعرة  (أسست للأخلاق النسبية ):
ترى فرقة الأشاعرة و هي فرقة كلامية أسسها : "أبو الحسن الأشعري" أن الفعل الحسن هو أمر الله به أثنى على فاعله ، و القبيح ما نهى عنه و ذم فاعله ، والشرع لا يمدح و لا يذم الأشياء لما فيها من حسن وقبح ذاتيين بل الحسن و القبيح تابعين لأمر الشرع و نهيه ، فلو أمر بالكذب لأصبح حسنا و خيرا ولو نهى عن الصدق لأصبح قبيحا و شرا غير أن عدالة الله عز وجل لم يأمر إلا بالحسن و لم ينهى إلا عن القبيح لأن الخير و الشر لو كانا ذاتيين لكانا مطلقين في حين أن الواقع يثبت عكس ذلك فالفعل قد يكون حسنا في مواضع و قبيحا في مواضع أخرى ، فكل ما يأمر به الله فهو خير و كل ما ينهى عنه فهو شر يقول :"أبو حسن الأشعري" (إن الخير و الشر بقضاء الله و قدرته).
النقد :
هذه النظرية أهملت دورالعقل و الطبيعة البشرية و المجتمع مع أن الواقع يؤكد على أن الاطر ساهمت في ذلك .
د/ـ النظرية العقلية : يرى بعض الفلاسفة العقليون أن العقل مصدر القيم الخلقية ومن بينهم : "سقراط" الذي كان يقول : (الفضيلة علم و الرذيلة جهل ) أي أن مصدر الفضيلة و الخير الأسمى هو العقل ، كما نجد الفيلسوف الألماني : "إيمانويل كانط" الذي يرى أن الطبيعة البشرية هي مصدر الخطيئة و الشرور ، لهذا هاجم "كانط" الأخلاق القائمة على المنفعة و اللذة وردها إلى العقل أو الضمير الأخلاقي على مبدأ الواجب الذي يعد حسبه أمرا إلزاميا صادرا من العقل الفصلي (الضمير الأخلاقي) فهو يقوم على الإرادة الخيّرة ، فالأولى أن نقوم بالأشياء لذاتها وما يمليه الواجب اتجاهها و لا ينظر إليها (كغاية) كوسيلة لتحقيق غاية لأننا إذا استعملنا الأخلاق كوسيلة فلا نسلم من إقحامها في باب الغرائز و المنافع ، لهذا يرى كانط وضع مجموعة القواعد لضبط الواجب الأخلاقي و هي كما يلي :
أ/ـ قاعدة التقييم :   يقول "كانط" :(افعل على نحو ما يصبح فيه مبدأ عملك قانونا عاما)
ب/ـ  قاعدة الغائية: يقول"كانط"( اعمل على نحو ما تعتبر فيه الإنسانية ماثلة في نفسه و في الآخرين غاية لا وسيلة ).
ج/ـ قاعدة الحرية أو الإستقلال الذاتي : يقول "كانط"L اعمل على نحو ما تعتبر فيه عملك العقلي مشرعا و إرادتك الخيّرة منفذا بين أناس عقلاء و أحرار ).
ومن هنا كانت الأخلاق الكانطية أخلاقا سامية ، غاية في الصورية و التجريد و معبرة عن إرادة الإنسان الحرة ، و المتجهة نحو الخير في ذاته بعيدا عن كل السلطة إلا سلطة الضمير الأخلاقي .
النقد: أهمل صاحب هذه النظرية الواقع بحيث أنه فصل بين النية و نتائج الفعل ولهذا وصفت أخلاقه بالصورية و البعيدة كل البعد عن الواقع كما أن النية الطيبة ليست معيار الخيرية ، فكم من الناس نيتهم طيبة لكنهم يسيئون التصرف فالعبرة بالخواتيم .
أساس الأخلاق النسبية : نظرية اللذة : يؤكد أصحاب هذه النظرية أن السعادة هي الغاية التي ينشدها الإنسان و لا تحصل هذه السعادة و لا تتحقق إلا بتحصيل اللذات و الخلو من الألم من هنا كانت اللذة هي الخير و الفضيلة و الألم هو الشر و الرذيلة لذلك فعلى الإنسان أن يطلب أكبر قدر من اللذة و أن يسعى و يجتهد في الوصول إليها و من أشهر رواد هذا المذهب الأخلاقي : "أبيقور" و "أرستيب" يقول: "أبيقور" (إن السعادة أو اللذة هي غاية الإنسان و لا خير في الحياة إلا اللذة و لا شر إلا الألم و ليست الغاية الأخلاقية إلا العمل لتحصيل السعادة وليس للفضيلة قيمة ذاتية إنما قيمتها في اللذة التي تصحبها).
كما يؤكد : "أبيقور" على أن اللذة العقلية و الروحية أهم من اللذة البدنية و أن خير لذة تطلق هي لذة طمأنينة العقل و راحة النفس و الابتعاد عن ما يسبب القلق و الألم  .
النقد : لكن مبدأ اللذة أناني و شخصي لأنه يؤدي إلى اختلاف الناس في تحكيمه ، فليس كل لذة خير و ليس كل ألم هو شر كما أن ربط الأخلاق باللذة هو انتقاص من قيمتها و سموها و قدسيتها .
2/ـ نظرية المنفعة : وقد أسس هذا المبدأ الأخلاقي الفيلسوف الإنجليزي : "جيريمي بنتام" و جوهره : أن العقل الخلقي معياره تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر قدر ممكن من الناس ، أي تحقيق المصلحة الجماعية ، فالخير حسب : "بنتام" إن كان نافعا لنا فبضّرورة نافع لغيرنا و العكس صحيح و ذلك أن المنافع إذا اتحدت شروطها كانت واحدة بالنسبة للجميع .
النقد : لكن هل يمكن أن تتوافق المنافع لدى أفراد المجتمع بطريقة عفوية مع أن الواقع يثبت تضارب المنافع و تصادمها مع الأفراد ، فما هو منفعة لي قد يكون مضرة لغيري .
3/ـ النظرية الوجودية : نجد من الاتجاهات الحديثة التي تؤسس لنسبية الأخلاق الفلسفة الوجودية : "سارتر" الذي يرى أن الحرية هي الأساس الوحيد للقيم و لا يوجد شيء ثابت يبرر قبولي لذلك السلوك أو ذاك ، فكل إنسان بنفسه لنفسه ما يشاء من القيم الأخلاقية فيقول : "سارتر" ( أنا وحدي الذي أقرر الخير و أصنع الشر ) .
النقد : لكن قيام الأخلاق على أساس الحرية فيه الكثير من الخطر لأن الحرية في ذاتها مفهوم غامض من حيث التطبيق كما أن الإنسان قد يخطىء في كثيرمن إختياراته .
4/ـ نظرية المجتمع : يؤكد أصحاب النظرية الإجتماعية وعلى رأسهم : "اميل دوركايم" أن الإنسان حيوان اجتماعي و أكثر قابلية للاجتماع ، من هنا كان المجتمع صاحب الدور الأساسي و المصدر الجوهري في تكوين حياة الأفراد الذهنية والنفسية ، والجمالية و الأخلاقية والدينية وبناء على هذا كانت القيم الأخلاقية وقائع اجتماعية مصدرها المجتمع لهذا يؤكد الاجتماعيون أن الأخلاق تبدأ من حيث التعلق بالجماعة و يأتي اكتسابها عن طريق التربية و التنشئة الاجتماعية التي تمنحه المبادئ و المشاعر الأخلاقية التي يتمسك بها و يعتمد عليها في سلوكه لهذا تؤسس النظرية الاجتماعية لنسبية الأخلاق وذلك تبعا لتغير المجتمعات و كذلك انطلاقا من قول :"دور كايم" (لكل مجتمع أخلاقه) ويقول أيضا : (حيث يتكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا )
النقد: غير أن كل ما يأمر به المجتمع ليس دائما خيرا و أن ما ينهى عنه ليس دائما شرا .
*/ـ الخاتمة : (الاستنتاج)(الأخلاق بين الثوابت و المتغيرات) :نستنتج من كل ما سبق أن الأخلاق ثابتة و مطلقة في مبادئها و أهدافها ، ولكنها متغيرة و نسبية و متطورة من حيث تطبيقاتها ،بمعنى أن الوسائل التي نسعى بها لتحقيق هذه المبادئ المطلقة قد تتغير بتغير الظروف و الأحوال.
إنتهى: 

بالتوفيق للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صمم بكل من طرف: Salem-B